الجمعة، يونيو 26، 2009
لم أعد أحلم أو هكذا اعتقد. الأمر يعود لوقت طويل مضى،لم أعد أذكر منه شيئا، وقت أن كنت أحلم مثل أي شخص طبيعي، أما الآن فأنا لا أحلم، ربما لأني لم أعد أريد ذلك، لم أعد أريد أن أعيش في الأحلام مرة أخرى، أردت الإنغماس في الواقع أكثر فأكثر إلى أن نسيت عالم الأحلام, او ربما هو من تخلى عني في لحظة ما , فقدته مع كل ما فقدت من قبل و انتهى وقت كنت فيه أحلم.
كل من أقص له هذا الموضوع يضحك، و يعتبرني مجنونا، فمن ذا يهتم بالأحلام ما دام لديه الواقع بأكمله ليعيشه.
في المساء عندما أعود وحيدا إلى المنزل, أفتح باب الغرفة لأجدها كما تركتها في الصباح، مهملة،وحيدة تعاني مثلي، أتمدد على سريري من دون أن أفكر في تغيير ملابسي، فالأمر قد يأخذ وقتا و جهدا لا أملكه في تلك اللحظة، أغمض عيني و أنام, أتمنى أن استيقظ يوما و في ذهني حلما،أي حلم كان،لن أهتم،المهم أن احلم.
بدأ الأمر يتعبني، و يشل تفكيري، يوما بعد يوما يشغل الجزء الباقي من ذهني، يؤرقني و يزيد من نومي, و لكنه مازال نوما بلا أحلام.
نصحني الجميع أن أنسي، ألا أفكر في شيء تافه كهذا. أن أشغل تفكيري بما ينفعي،عملي، مستقبلي، و ربما على التفكير في ملئ ليلي بمن يؤنسني، و هكذا لن أحتاج إلى الأحلام، هكذا قالوا.
استمعت لهم، و نسيت أو تناسيت الأمر كليا، بت أعود متأخرا في المساء, أخضع للنوم من فوري, بجسد مرهق و تفكير شديد أنام, و بهما استيقظ، و بهما استمرعلى هذا الحال.
مضى على قراري بالتناسي مدة طويلة، حتى ذلك اليوم. يوم عادي كباقي الأيام , خلافات في العمل،و مع رئيسي,و بعض المتاعب الصحية، و سلة من غسيل متسخ، وبقايا طعام فاسد, لا شيء يجعله يوما مميزا على أي حال.
إلا عندما حل المساء, ألقيت بجسدي على السرير كعادتي، و ضممت الوسادة إلى صدري،و رحت في نوم عميق,إلى هنا و أنا كما أنا، لا شيء تغير في عاداتي، أو في عقلي , لكنه حدث.
حدث ذلك التغير, لم أطالب به هذه المرة,أتى وحده يزحف إلى عقلي و تفكيري, صورة مشوشة لا أدري لمن هي، و لا ما الذي تعنيه, فهي في الحقيقة لا تعني شيئا لي, و لكن لما الآن عندما فكرت بالاستسلام تظهر هذه الصورة في ذاك الحلم؟
لم أعرها اهتماما يذكر، تناسيت الأمر مرة أخرى، كما فعلت في البداية، و لكنها عادت تلح على ذاكرتي في كل مكان , أرى طيفها في كل شخص، و أكاد أجزم أنها كل هؤلاء, أو على الأقل احدهم.
تكرر الحلم عدة مرات, حاولت في كل ليلة منها أن لا أحلم، أو امتنع عن النوم, لكني ما أن أضع رأسي على شيء صلب، حتى أغرق في النوم و الحلم على حد سواء.
في كل مرة يتكرر فيها، يبدو الوجه مشوها، لا استطيع التحقق منه،أما الملابس و المشهد في الخلفية فيتغيران, حاول أن تكون في مكاني، و تتخيل شخصا، لا يسير في الطريق من دون أن يحدق في جميع الوجوه أو يصيب كل السائرين بحالة من الإرتياب، في أنه ربما ينظر إليهم، أو أنه على الأرجح أحد هؤلاء المجانين، الذين تمتليء به الطرق هذه الأيام.
الأمر لا يختلف كثرا في العمل، بدأت أفقد التركيز لتزداد العصبية, و تزداد معها المشاكل مع الجميع, أصبحت على حافة الإنهيار و الطرد .
لزمت المنزل في محاولة مني لتخفيف حدة الوضع، وأخذت إجازة من كل شيء، و كل أحد, و لكن لا فائدة، زاد الأمر سوءا باضطراري إلى النوم كثيرا في وقت الفراغ , بدأ الحلم يزداد غرابة يوما بعد يوم، أصبح هنالك صوتا يناديني: هل تذكرني؟
سؤال عادي قد لا تنتبه له , يلقيه على مسامعي الكثيرون كل يوم, أي شخص تلتقيه في الطريق يجد لديه الحق في إيقافك،و إلقاء ذلك السؤال العتيق" هل تذكرني؟", أنا لا اتذكر أحدا و لا أريد حتى أن أتذكر، و لكني مضطر لمجاراتهم بأني، ربما أتذكر, أو ربما هم يظنون أن عليّ أن أتذكر،و أن ذلك حق من حقوقهم ,لينتهي الأمر بي،و أنا لا أعرف لما توقفت، او لما أضعت من وقتي الثمين، تلك الدقائق في محاولة تذكر شخصا لم أره من قبل، لمجرد أنه قال لي : هل تذكرني؟
شهر مر،و أنا على هذا الحال،لا شيء يتغير سوى هذا الحلم , يتشكل في كل مرة و تتغير تفاصيله، لا لشيء إلا لكي يصيبني بالتشوش و الإنهيار في النهاية.
باءت كل محاولاتي في معرفة الوجه بالفشل, أحضرت جميع الصور، الدفاتر، و كل شيء أملكه من ذكريات،علني أجده مختبئا في إحداها, بلا فائدة، لا توجد في أي صورة و لا في أي سطر من سطور الرسائل، كأنها شبح لا وجود له، برز من غرفة مغلقة لا تمت لي بصلة، و لكنها جاءت إلى حلمي و أرقتني.
لا توجد في أصدقاء الطفولة، و لا شقاوة الشباب، و لا نزوات المراهقة، و لا تعب الكبر من بعده.
تنفذ أيام الإجازة سريعا، على عكس ذاكرتي التي لا تشفى.
قررت حينها أن استسلم نهائيا، مادامت تريدني أن أتذكر، فسأفعل و لكن عليها أن تساعدني على التذكر، هكذا فكرت، و هكذا قررت التنفيذ بعدها.
أصبحت أذهب للنوم طوعا حتى أجدها في انتظاري، بدأت أسالها من هي، و لعجبي فقد كانت ترد على أسئلتي، لكن الوجه مشوش، و الإجابات اكثر تشويشا.
أعجبتني فكرة أني من يسأل، الآن اصبحت المسيطر، أصبحت أتفنن في اللأسئلة، أصبحت أسالها عن كل شيء،يفيد أو لا يفيد في تعرفي عليها، أصبحت أسئلتي تنهال عليها بجنون،لا انتظر حتى إجاباتها، بل إني أسالها دون توقف، لم يعد يهمني أن أتعرف عليها بعد الآن، لم يعد يعنيني من هي، كل ما كنت أحتاجه هو ألا أترك لها فرصة لتسأل ذلك السؤال مرة أخرى.
"هل تذكرني؟"
فأنا حقا لا أتذكر.
تمت
* ليست قصة قصيرة ربما هي شيء اشبه بذلك، في الحقيقة لا أدري ما هي، و لكنها أصبحت هكذا.
بواسطة :مجنونة
التسميات: قصة قصيرة
3 Comments:
Subscribe to:
تعليقات الرسالة (Atom)
... إلخ وكلها إجابات مشروعة تؤكد ثراء القصة ووفرة دلالاتها هذا فضلا عن القيم الفنية الموجودة بالقصة والتي لا يتسع المقام لسردها وتحليلها أحييك على هذه القصة الممتعة وشكرا لك .
الاستاذ الكحيان
اسعدني كثيرا مرورك و تعليقك، في الحقيقة لم اتوقع ان تعجب هذه القصة احدا و ذلك لاني لم اقتنع بها شخصيا و لكني سعدت عندما اعجبتك، لقد رفع تعليقك الكثير من روحي المعنوية المنخفضة فشكرا لك و في انتظار تعليقاتك دائما على مدونتي.
اما عن الصعوبة على التعليق فهل تقصد صندوق االتأكيد بالحروف و الارقام فذلك يمكن حذفه فانا لا اريد ان اصعب الامور، اما عن الاشراف على التعليقات فلا استطيع حذفه لاني لا الاحظ التعليقات و يهمني كثيرا ان ارد على على من يشرفني بتعليق.
و اخيرا شكرا لك.