الثلاثاء، يوليو 02، 2013

فنجان قهوة





كنت قد مللت من كل شيء تقريبا. من الهدوء العام في المنزل, من الروتين اليومي, من الذهاب للعمل و العودة مجددا لتكرار نفس الأحداث مرة أخرى. كنت قد مللت مني, من أسلوبي العقيم في معالجة الأمور, من تجاهلي لكل شيء حولي حتى لا أتعب أعصابي في التفكير. أعصابي التي دوما ما تتحطم من التفكير في أي شيء و في كل شيء. و كأن التفكير هو الشيء الوحيد الذي استطيع القيام به بدون تفكير. الليل يصبح أطول و أثقل و الدقائق لا تريد أن تمر بل تتكاسل تماما كما أفعل أنا ليلا. كان الملل هو المسيطر على الحال. حاولت الهرب منه مرات و لم أفلح. قررت أن أغير الروتين اليوم, لن أذهب للعمل و لن يعرف أحدا بذلك. سأخذ بنصيحة صديقتي العزيزة و أجرب شيئا مجنونا ليوم واحد ربما يكون هذا هو حقا الحل. دخلت إلى ذلك المقهى الصغير الذي أراه كل يوم في طريقي للعمل و لا التفت إليه, فقط أتمنى أن ادخله يوما ما و  ارتشف واحدا من فناجين القهوة الساخنة التي أراها من النافذة العريضة المطلة على الشارع. 
لم تكن القهوة يوما الشيء المفضل عندي, بل كنت أشربها فقط عندما أشعر بأني احتاج دفعة للطاقة للقيام بالروتين اليومي. و ربما كنت احتاجها اليوم كدفعة للطاقة للخروج من هذا الروتين اليومي. فتحت الباب برفق و أنا أشعر بأني أدخل إلى عالم سحري, عالم مختلف عما اعتده أو هكذا أردت أن أتصوره. أردت أن يكون كل شيء مميز في هذه التجربة. اخترت طاولة بكرسيين إلى جوار تلك النافذة العريضة, جلست أحدق في القائمة و لم أشعر لدقائق بذلك النادل الذي حياني عندما دخلت و قد جاء ليأخذ طلبي. طلبت قهوة محلاة و بعض الحليب, لم أكن استسيغ القهوة بدون حليب أو سكر. جلست أفكر و انظر حولي. لم يكن هنالك أي شخص في المكان سوى رجل عجوز يتناول قهوته و جريدته, و العاملين في المكان. نظرت في ساعتي فوجدتها مازالت التاسعة و لا اعتقد أن هنالك من يستيقظ في هذا الوقت يوم السبت, فمازال البعض يأخذونه كأجازة.
احضر النادل القهوة و عرض عليّ بعض الكعك فتناولته منه بلطف مع أني لم اطلبه, يبدو أني أثرت شفقته بمظهري البائس اليوم. لا بأس في ذلك على ما اعتقد فقد حاولت قدر ما استطيع أن أغير من شكلي البائس هذا و لم أفلح إطلاقا. أمي تقول أني أبدو كأحد مخلوقات الزومبي دائما, فمواعيد طعامي غير موجودة على الإطلاق و حالة الأنيميا حدث عنها و لا حرج. لا يوجد أحد يعرفني و لا يستغرب عندما يسمع عن عمري في البداية و أرى تلك الابتسامة المندهشة على وجهه. الجميع يخبرني أن هذا في صالحي و لكنهم بعد ذلك لا يأخذونني بجدية, فمن قد يتعامل بجدية مع شخص في السادسة و العشرين من عمره و يبدو فقط في العشرين, صدقا لا أحد.
اخرجت من حقيبتي ورقة و قلم أدون ما احتاجه في العمل هذه الأيام ثم قطعتها سريعا و ارجعتها إلى الحقيبة فلم أكن غي مزاج مناسب للتفكير في العمل. 
تناولت الكعك مع القهوة و اندهشت من طعم هذا الكعك الرائع الذي لم اطلبه و لكنه حقا انعشني, التفت لابحث عن النادل صاحب الكعك و لم أجده, لم اعتقد أنه ميعاد تغيير العاملين لابد من أنه في مكان ما و سيعود لاحقا. هذا ما ظننت. بقيت ابحث عنه إلى أن مرت ساعة و حان وقت خروجي من هنا. طلبت الفاتورة و قد فقدت الأمل في أن يظهر. دفعت الفاتورة و ذهبت للباب كي أرحل. لم أكن حقا أود الرحيل دون شكره على الكعك الجميل أو ربما دون إلقاء نظرة أخرى عليه, لم المحه جيدا في المرة الأولى, لاحظت فقط أنه كان طويلا بشكل مثير تشعر معه أنه هنا ليحميك. يالهذه التخيلات الطفولية, حقا لقد أصابني الملل بالجنون. خرجت من الباب و أنا القي نظرة أخيرة على مكان ربما لن أدخله ثانية بعد الآن و لكن أراحني قليلا و بدد الملل.
اغلقت الباب ووجدته أمامي, إذا كان يقف هنا طوال الوقت. لم أعرف ماذا أقول و كيف أبدأ هل فقط شكرا على الكعك أم من أنت لتحضر لي كعكا لم أطلبه أم لما أنت طويل هكذا. أسئلة غريبة و ووقوفي أمامه كان أغرب لم أجد سوى كلمة شكرا و ابتسامة ليرد عليّ بمثلها.

;;

Template by:
Free Blog Templates