الاثنين، ديسمبر 17، 2012

في انتظار


عندما خرجت في الصباح وجدتها تقف هناك،كعادتها تلبس مريول المدرسة و الحقيبة، تحمل في يدها زجاجة ماء،و قد عقصت شعرها بضفيرتين مزينتين بشريط احمر،أما حذائها الأسود اللامع فإنها تتفقده كل حين و تمسحه في جوربها حتى تتأكد من لمعانه.ترتسم البسمة على شفتيها و هي تقف على ناصية الشارع تنتظر الحافلة حتى تذهب إلى مدرستها، وقفت أراقبها قليلا،حتى أراها و هي تركب الحافلة،فقط لأطمئن عليها فالشارع خال و لا أحد به، انتظرت طويلا و الحافلة لم تأتِ، ولكن يبدو أن ذلك لم يؤثر بها فمازالت ابتسامتها تلمع على شفتيها،ومازالت تقف كما هي،تحدق في الحذاء و تمسحه في جوربها.نظرت إلى ساعة يدي و وجدت أني قد تأخرت على عملي و يبدو أن الحافلة لن تأتي اليوم، أردت أن اذهب إليها و اخبرها بذلك علها تعد إلى منزلها،و لكني خفت أن أمحو هذه الابتسامة الرائعة عنها، حاولت أن اقنع نفسي بتركها،و حاولت أن أفكر في مساعدتها،أو حتى أن أوصلها إلى المدرسة و لكني خفت أن تهرب مني و تخاف فتركتها و ذهبت.عندما عدت بعد العصر إلى المنزل،وجدتها مازالت تقف هناك في نفس المكان و نفس الابتسامة مازالت تلوح على شفتيها،و بعض الحزن يظهر في عينيها و الجورب متسخ من كثرة ما مسحت به حذائها.لكنها كانت هناك لم ترحل بعد، تركتها و دخلت إلى منزلي و سألت زوجتي عنها و هل تعرفها فقالت لي : هي فتاة يتيمة مات والداها في الأحداث الأخيرة،وتعيش مع أختها الكبرى، تبرع لها البعض منا بملابس المدرسة و قدمت لها أختها في مدرسة،و لكنها بعيدة و هناك حافلة تمر عليها حتى تذهب إلى هناك.و لكن،مع بداية العام الدراسي أغلقت الطرق مرة أخرى،ولم تعد الحافلة تمر من هنا،و لم يعد هناك من يوصلها إلى المدرسة فظلت ترتدي ملابسها هكذا كل يوم،وتقف أمام البيت في انتظار الحافلة علّ الطريق يفتح يوما و تأتي الحافلة إلى هنا.و كلما حدثتها أختها و أمرتها بالجلوس في البيت ردت عليها و قالت: أنا أريد الذهاب للمدرسة و الحافلة ستأتي، يوما ما ستأتي، و عندما تأتي سأكون في انتظارها.و مازلت كل صباح أراها تقف أمام منزلها،و الحقيبة في يدها و زجاجة الماء و حذائها اللامع و شرابها المتسخ، حاولت أن أساعدها و أن أوصلها و لكني تراجعت و اكتفيت فقط بان أراها و هي في انتظار.

شيكولاتة



كان يوما سيئا كالعادة، لاشيء فيه يدل على أنه قد يتغير، نفس الجو الصيفي الكئيب، نفس الشمس المشرقة التي تأبي أن ترتاح قليلا وراء السحب، فقط لتترك الجميع يجفف العرق.
كنت قد أنهيت كل أعمالي المنزلية من تنظيف و خلافه، وبدأت تغيير ملابسي للذهاب إلى العمل، الفترة المسائية كالمعتاد. لم تكن سيئة كما اعتقدت في البداية، فهذا يتيح لي أحيانا الهرب من تواجد الجميع، كانت الشمس حينها تستريح و تمهلني بعض الوقت للنظر من خلال نافذة الأتوبيس، نظرت في الساعة لأجدني متأخرة، أخذت  السلالم في درجتين فقط، سحبت حقيبتي الملقاة على الكرسي، تأكدت من إغلاق كل شيء، أغلقت الباب وانطلقت. لم أنس تركيب السماعات في أذني وتشغيل بعض أغانيّ المفضلة، لا شيء يمرر الوقت غيرها، فرحلة الأتوبيس تطول أحيانا للساعتين بسبب الزحام. هرولت للمحطة وركبت الأتوبيس المنتظر في ملل مثلي. اخترت شباكا بجوار النافذة لأراقب الطريق و الناس. زدت من الصوت في السماعات فالضوضاء في المحطة لا تحتمل. صعد السائق أخيرا و دفعت الأجرة و سرحت مع النافذة وأغنية.
غالبا ما يمتلئ الأتوبيس قبل الوصول حتى للطريق العام، لذا يصبح الأمر بعد ذلك كعلب السردين، احمد الله يوميا أني أسكن بجوار المحطة و لهذا لا اضطر أن انحشر في هذه العلب، بل اختار الأتوبيس الذي يروقني، هذا إذا لم أكن متأخرة بالطبع.
يندفع الأتوبيس بوتيرة سريعة أحيانا و بطئية في أغلب الأحوال ملبيا نداءات الركاب في الطريق بالوقوف، والسماح لهم بالركوب، أحيانا أفكر أن الأتوبيس قد يتوقف لأي قطة تعبر الطريق من شدة البطئ.
توقف الأتوبيس قليلا وركب بعض الركاب، و كان بينهم ذلك العجوز المبستم، لم يكن هناك مكان الطبع فنحن في منتصف الطريق الآن، لدي ضعف غريب عند رؤية العجائز، وخاصة المبتسمين، يبدون حينها تماما كالأطفال، يملكون العالم.
لم احتمل فكرة وقوفه هكذا، نظرت حولي، قيمت الموقف، لم يكن هناك أحدا ليقف. قررت الوقوف فنحن في منتصف الطريق على أي حال، يمكنني الإدعاء بأني سأنزل قريبا إذا رفض الجلوس، أفعلها عادة و أنزل بعد قطع مسافة جيدة من الطريق، ولست متأخرة اليوم.
وقفت وناديت عليه بالجلوس، لكنه رفض تماما محاولاتي التي استمرت خمس دقائق كاملة، وادعاءاتي الفاشلة بأني سأنزل في المحطة التالية، لم ينجح شيء، لم يرض أبدا قائلا: أنتِ مثل ابنتي، اجلسي يا فتاة.
يبدو أن العرض قد جذب أحد المشاهدين الشباب الذي قرر أخيرا التنازل و التدخل معطيا كرسيه للعجوز، العجيب في الأمر ليس أنه تنازل، بل أنه قد نزل بالفعل في المحطة التالية، ألم يكن بإمكانه احتمال الوقوف بضع دقائق، يا للشباب!!
جلست في مكاني مرة أخرى سارحة مع أغنية، منزعجة من موقف هذا الشاب، ألعن كل الشباب الموجودين في الأتوبيس، وأتمنى لو أوجه لهم جميعا نظرات الاحتقار.
أفقت على يد ناعمة تربت على كتفي، لقد كان العجوز مرة أخرى، ابتسم في وجهي تلك الابتسامة الرائعة، وأخرج من كيس بلاستيكي كان يحمله، قطعة صغيرة من الشيكولاتة ملفوفة بورق القصدير. لم تكن غالية الثمن أو أي شيء، لكن ابتسامته جعلتني ابتسم طوال اليوم. وضعت الشيكولاتة في يدي و لم أتركها نهائيا إلى أن وصلت لعملي. وقفت في الشارع، فتحت ورق القصدير بعناية، وضعت الشيكولاتة في فمي، وابتسمت في سري، فربما اليوم سيتغير في النهاية.

;;

Template by:
Free Blog Templates