الاثنين، ديسمبر 17، 2012

شيكولاتة



كان يوما سيئا كالعادة، لاشيء فيه يدل على أنه قد يتغير، نفس الجو الصيفي الكئيب، نفس الشمس المشرقة التي تأبي أن ترتاح قليلا وراء السحب، فقط لتترك الجميع يجفف العرق.
كنت قد أنهيت كل أعمالي المنزلية من تنظيف و خلافه، وبدأت تغيير ملابسي للذهاب إلى العمل، الفترة المسائية كالمعتاد. لم تكن سيئة كما اعتقدت في البداية، فهذا يتيح لي أحيانا الهرب من تواجد الجميع، كانت الشمس حينها تستريح و تمهلني بعض الوقت للنظر من خلال نافذة الأتوبيس، نظرت في الساعة لأجدني متأخرة، أخذت  السلالم في درجتين فقط، سحبت حقيبتي الملقاة على الكرسي، تأكدت من إغلاق كل شيء، أغلقت الباب وانطلقت. لم أنس تركيب السماعات في أذني وتشغيل بعض أغانيّ المفضلة، لا شيء يمرر الوقت غيرها، فرحلة الأتوبيس تطول أحيانا للساعتين بسبب الزحام. هرولت للمحطة وركبت الأتوبيس المنتظر في ملل مثلي. اخترت شباكا بجوار النافذة لأراقب الطريق و الناس. زدت من الصوت في السماعات فالضوضاء في المحطة لا تحتمل. صعد السائق أخيرا و دفعت الأجرة و سرحت مع النافذة وأغنية.
غالبا ما يمتلئ الأتوبيس قبل الوصول حتى للطريق العام، لذا يصبح الأمر بعد ذلك كعلب السردين، احمد الله يوميا أني أسكن بجوار المحطة و لهذا لا اضطر أن انحشر في هذه العلب، بل اختار الأتوبيس الذي يروقني، هذا إذا لم أكن متأخرة بالطبع.
يندفع الأتوبيس بوتيرة سريعة أحيانا و بطئية في أغلب الأحوال ملبيا نداءات الركاب في الطريق بالوقوف، والسماح لهم بالركوب، أحيانا أفكر أن الأتوبيس قد يتوقف لأي قطة تعبر الطريق من شدة البطئ.
توقف الأتوبيس قليلا وركب بعض الركاب، و كان بينهم ذلك العجوز المبستم، لم يكن هناك مكان الطبع فنحن في منتصف الطريق الآن، لدي ضعف غريب عند رؤية العجائز، وخاصة المبتسمين، يبدون حينها تماما كالأطفال، يملكون العالم.
لم احتمل فكرة وقوفه هكذا، نظرت حولي، قيمت الموقف، لم يكن هناك أحدا ليقف. قررت الوقوف فنحن في منتصف الطريق على أي حال، يمكنني الإدعاء بأني سأنزل قريبا إذا رفض الجلوس، أفعلها عادة و أنزل بعد قطع مسافة جيدة من الطريق، ولست متأخرة اليوم.
وقفت وناديت عليه بالجلوس، لكنه رفض تماما محاولاتي التي استمرت خمس دقائق كاملة، وادعاءاتي الفاشلة بأني سأنزل في المحطة التالية، لم ينجح شيء، لم يرض أبدا قائلا: أنتِ مثل ابنتي، اجلسي يا فتاة.
يبدو أن العرض قد جذب أحد المشاهدين الشباب الذي قرر أخيرا التنازل و التدخل معطيا كرسيه للعجوز، العجيب في الأمر ليس أنه تنازل، بل أنه قد نزل بالفعل في المحطة التالية، ألم يكن بإمكانه احتمال الوقوف بضع دقائق، يا للشباب!!
جلست في مكاني مرة أخرى سارحة مع أغنية، منزعجة من موقف هذا الشاب، ألعن كل الشباب الموجودين في الأتوبيس، وأتمنى لو أوجه لهم جميعا نظرات الاحتقار.
أفقت على يد ناعمة تربت على كتفي، لقد كان العجوز مرة أخرى، ابتسم في وجهي تلك الابتسامة الرائعة، وأخرج من كيس بلاستيكي كان يحمله، قطعة صغيرة من الشيكولاتة ملفوفة بورق القصدير. لم تكن غالية الثمن أو أي شيء، لكن ابتسامته جعلتني ابتسم طوال اليوم. وضعت الشيكولاتة في يدي و لم أتركها نهائيا إلى أن وصلت لعملي. وقفت في الشارع، فتحت ورق القصدير بعناية، وضعت الشيكولاتة في فمي، وابتسمت في سري، فربما اليوم سيتغير في النهاية.

0 Comments:

Post a Comment



Template by:
Free Blog Templates