الاثنين، يونيو 15، 2009

تخيلات مواطن مطحون


تخيل
حاول أن تتخيل معي أنك مثلي مكتئب تعيس لا يعجبك شيء, ثائر على كل شيء, و أي شيء.
تحاول أن تقلب نظام الكون في يومين, و يا ليتهما ساعتين.
تخيل معي أنك تركت كل ذلك.
تمددت على فراشك و نمت, (نعم نمت لا تنظر لي هكذا عليك فقط أن تنفذ ما أقوله إذا أردت أن تتخيل معي و إلا فأنت حر).
لقد نمت حسنا ، إذا سنبدأ.
الآن أنت تتخيل تذكر ذلك.
أنت تنهض من السرير, ترتدي ملابسك المرتبة بعناية في الدولاب الموجود بغرفتك -( لا تتعجب من وجود الدولاب فقد اتفقنا أنك تتخيل) -و الآن تخرج من الغرفة و تتجه إلى الصالة, و تجد والدك و والدتك هناك ملتفون حول مائدة الإفطار-( كفاك أسئلة و قطع لتفكيري نعم أنت تتخيل،إذا هناك مائدة و هناك إفطار)- تجد إخوتك الصغار في أحسن حال و الجميع في انتظارك لتناول الإفطار.
تتناول الإفطار و تنزل إلى الشارع و تركب سيارتك لتذهب إلى عملك, و تشغل الكاسيت على أغنية لفيروز و تستمع إلى الألحان و الصوت الشجي بينما تسير في شوارع القاهرة النظيفة و الجميلة!
تصل إلى عملك في ميدان التحرير في خلال ربع ساعة لأنك كنت تتلكأ و أنت تسمع فيروز، تخرج من السيارة و تغلقها جيدا و تصعد إلى عملك بالدور العاشر، المصعد جاهز بانتظارك و العامل يرتسم على وجهه علامات البشر و السرور, و يفتح لك باب المصعد لتدلف اليه ، تتلفت حولك لترى من هذا الذي يبتسم له العامل و يفتح له الباب,وعندما تتأكد أنك وحدك هنا و ليس هناك زحام من أي نوع -( و يكون العامل حينها قد تيقن من إصابتك بالجنون و لكن هذا لا يعنينا الآن)- تدخل إلى المصعد و ينطلق بك من دون توقف إلى الدور العاشر، تدخل إلى المكتب لتجد كل زملاؤك يبتسمون لتحيتك, فتنظر إليهم باستغراب و ترد التحية بابتسامة بلهاء, و تفرك عيناك للتأكد مما تراه-( نعم حتى عبد المولى افندي رئيسك في العمل يبتسم لك فأزح نظرة الاندهاش هذه من على عينيك و شفتيك و لنكمل)- و بعدها تتجه إلى مكتبك و لكنك لا تجده, تبحث عنه كثيرا ليدلك بعدها أحد زملاؤك إلى مكتب جميل و نظيف عليه باقة من الزهور و مجموعة من الملفات مرصوصة بعناية و يجلسك عليه رغما عنك فأنت مازلت لا تصدق يا عزيزي.
تبدأ في مزاولة عملك اليومي, و تبحث عن الجريدة لتبدأ صباحك مثل كل يوم بقراءة الأخبار الفنية و حل الكلمات المتقاطعة و لكنك لا تجدها وسط الملفات كالعادة ، فتسأل زميلك بجوارك ليخبرك أن هذا وقت العمل و لا ينبغي تضييع ثانية واحدة فيه, وأن عليك البدء بالعمل قبل أن يغضب عبد المولى افندي و لأنك لا تريد لهذا أن يحدث فإنك تبدأ على الفور,وتمسك أحد الملفات و تبدأ في إنهائها و حينها يدخل أحد المواطنين و على وجهه ترتسم تلك الابتسامة البلهاء-( لا تخف ليس في الجو غاز مثير للضحك و لا للغباء)- و يبدأ في سرد شكواه وأذنك كالعادة لا تلتقط منه سوى كلمات لا تصلح لشيء أبداً.
الحكومة...... الغرامة..... دفعنا..........الحجز................ساعدني.....................الختم
و عندما ينتهي تطلب منه أنت أن يعيد ما قاله منذ البداية و ترسم على وجهك ذات الابتسامة( تهانئ عزيزي يبدو أنك قد بدأت تتعلم).
و يعيد المواطن مبتسما ذات القصة فتقول له في لا مبالاة اعتدتها : الختم غير موجود مر علينا في يوم آخر، لتجد بعدها أحدهم فوق رأسك يصرخ و يقول: ماذا تفعل يا افندي، و يتضح أن هذا الصوت الجهوري و الوجه المتجهم و الرقبة الجميلة( لا بأس في بعض النفاق أليس كذلك؟) لم يكن سوى عبد المولى افندي و قد انتفشت أوداجه و ارتعش صوته و بدأ يتأسف للمواطن و يصب جام غضبه عليك( و ما شأني أنا إن كنت لا تفهم شيئا مما سبق أتريدني أن أغير كل شيء من أجلك ألا يكفيك ما فعلته حتى الآن إن لم تتوقف عن مضايقتي فلن أكمل، حسنا الآن أنت تعجبني فلتكن مطيعا هكذا على الدوام و لا تجعلني أغضب فلنكمل) ماذا تفعل يا افندي أنا أقول دوما أنك لا تصلح لشيء( كان هذا صوت عبد المولى افندى بالطبع و لا شك في ذلك إطلاقا) لماذا تقول للمواطن أن الختم غير موجود أليس الختم موجود بدرج مكتبك, فتفتح الدرج و يا للعجب الختم حقا هناك و لكنك لا تصدق.
- و لكن يا سيدي الختم لم يكن هنا الختم كان مع سيادتك و كنت تقول لي أن أقول دوما أن الختم غير موجود.
- ماذا و تتهمني بذلك أتجرؤ ( لا تندهش ما ذنبي إن كان عبد المولى افندي متابعا جيدا للمسلسلات التاريخية ) كيف تفعل ذلك سوف أشكوك إلى المدير العام بتهمة تعطيل مصالح المواطنين هيا اذهب الآن من أمامي و خد باقي اليوم إجازة و غدا تأتي باكرا للتحقيق معك في هذا الموضوع، أتفهم؟
( أعرف بالطبع أنك لا تفهم شيئا فأنت لعبة في يدي الآن,أنا لم أجبرك على ذلك بل أنت من استسلم لي فلتكمل حتى النهاية)تخرج من عملك مقهورا غير مصدق لما حدث,وتركب سيارتك مرة أخرى, ولكن هذه المرة مع أنغام أغنية "اتخنقت" لمحمد محي( لا تتفلسف و تخبرني أنك لا تحبها مادمت أنا من يكتب فستستمع لها شئت أم أبيت)و في هذه المرة تعود لمنزلك في خلال خمس دقائق,فأنت تسير بسرعة جنونية و لكن من حسن حظك و حظي أن الشوارع كانت خالية في مثل هذا الوقت،تدخل إلى المنزل لتجد والدتك مازلت لم تنتهي من تحضير طعام الغذاء,فتخلع ملابسك وترتدي ملابس البيت,وتجلس أمام التلفاز و تحاول أن تضيع الوقت الباقي من اليوم تقلب في القنوات,فتجد برنامجا حواريا سياسيا يتكلم في موضوع هام,و لأنك لم تعتد ذلك فأنت تقلب القناة لتجد برنامج آخر ثقافي لا يجذبك,فأنت لا تهتم بمعرفة الأسرة الرابعة من العاشرة مادمت تعرف أسرتك فهذا يكفيك ، تقلب القنوات مرة أخرى وأنت تبحث عن شيء تعرفه تماما ( نعم أعرف ما تفكر فيه تماما فلا تدعي البراءة امامي) تلك الفيديو كليبات الجميلة التي تعجبك أو احدى البرامج الفنية الغاية في التفاهة,فأنت يهمك أن تعرف من تزوجت و من انفصلت و من ماتت و غيرها من الأخبار التي تصيبني بالملل,ولكن لا تجد شئيا من هذا فتتعجب,وتترك التلفاز في حاله و تذهب لتناول الغذاء مع أسرتك التي اجتمعت أخيرا,و بعدها تذهب إلى غرفتك و تغلق الباب جيدا و تفتح جهاز الحاسوب و تبحث عن ملفاتك العزيزة من الاغاني الهابطة,و لا تجدها و لا تجد أحدا ممن كنت تدردش معهم كل يوم حتى الصباح و تتأخر عن عملك.
يصيبك الملل( ماذا لا تقل أنه لم يصبك حتى الآن فأنا قد مللت و مادمت أنا مللت فأنت مللت لا تتعبني معك كثيرا).
بما أنك قد مللت فأنت ترتدي ملابسك مرة أخرى و تنزل إلى الشارع, و تركب سيارتك وتذهب إلى شاطئ النيل,و تتمشى هناك بدون السيارة و لا تجد أحدا هناك فمازال الوقت باكرا ( باكرا على ماذا؟ في الحقيقة لا أعرف و لكن الشمس مازالت هنا إذا فالوقت مازال باكرا. لا يعجبك كلامي ، حسنا سأتراجع عنه و لكن هذه المرة فقط فلا تعتد على ذلك).
لا تجد أحدا فتمل بسرعة,وتركب السيارة منطلقا مرة أخرى بلا هدى على أنغام فيروز الشجية,وفجأة تظهر أمامك هذه السيارة الفخمة من حيث لا تدري و تصطدم بك, لتجد نفسك في مشفى أنيق و حولك الأطباء و الممرضات الوسيمات يدرن حولك كخلية نحل,وأنت لا تفهم أي شيء, فيتبرع لك أحدهم و يشرح أنك نقلت إلى هنا بعد الحادث,فتخبرهم أنك فقير و لا تملك تكاليف العلاج, فيخبروك أن لا تقلق فالعلاج بالمجان,و لن تدفع شيئا و بعد فقرة من الاندهاش و النظرات الغريبة و الذهول, يأتيك أحد رجال الشرطة و يسألك عن تفاصيل الحادث و ما حدث ( ماذا ألا تصدق شيئا أبدا حقا لقد تعبت منك).
وبعد أخذ إفادتك و علاجك الذي لم يستغرق الكثير,والقبض على المتسبب في الحادث,و تغريمه ثمن تصليحات السيارة,تعود إلى بيتك سعيدا و مندهشا في نفس الوقت و لكنك مازلت تعبا فتنام.
في اليوم التالي توقظك والدتك باكرا لتذهب إلى العمل و لكنك تتذكر اللجنة و التحقيق فتقرر عدم الذهاب و التعلل بأنك مازلت تعب من الحادث بالأمس,’و تجلس في بيتك أمام التلفاز مستسلما أمام برنامج آخر ثقافي يحدد آخر العائلات الفرعونية, لتصبح خبيرا في معرفة الأسر جميعا من الأولى و حتى الأخيرة و عندما تتعب و تنام تستيقظ على أصوات ضوضاء,فتفتح عيناك بصعوبة لتجد زملاؤك في العمل و معهم عبد المولى افندي,أمامك حاملين كل أنواع الزهور التي تعرفها و التي لم يسبق أن رأيتها من قبل,والنوع الثاني أكثر بالطبع و أنت مازلت على نظرة الذهول التي تصيبك منذ أن بدأنا .
بالطبع ترحب بهم و تدعوهم للجلوس لتسمع أعذب الكلمات و التمنيات بالشفاء العاجل و أن لا تهتم بأمر اللجنة و أن كل شيء على ما يرام و لابد أنك كنت في لحظة غضب و المواطن العزيز قد سامحك و لم يقدم شكوى ضدك.
إذا فالأمور كلها قد حلت و يحق لك الآن أن تبتسم و تفرح.
الآن
استيقظ
نعم لقد سمعتني جيدا
استيقظ
أراك الآن تتلفت حولك في الغرفة تبحث عن الملابس في الدولاب و لا تجده فتخرج بملابسك كما هي فلا تجد افطارا و لا شيء فتنزل إلى الشارع تبحث عن سيارتك, لتذهب إلى العمل و لكن لا يوجد شيء أيضا و حتى في العمل الحال كما تركته قبل نومك كل شيء لا يسير و لا يتحرك.
ألا تذكر لقد كنت تتخيل.
و الآن هل تشعر أنك أفضل.
أعطيتك جرعة من التفاؤل بأن هذا ربما يكون حالك في المستقبل.
انتظر لا تذهب الآن.
أنت أخذت تفاؤلي فأعطني شيء بدلا عنه فقد كانت آخر جرعة لدي.
( كلما حاولت أن أتفاؤل و أقول أن الحال سيصبح أفضل في يوم ما,أجدني اكتئب مرة أخرى عندما أتذكر حالنا الآن).
لذا لا مزيد من التفاؤل و لا التخيل.
انتهت.
توقيع : مجنونة.


0 Comments:

Post a Comment



Template by:
Free Blog Templates